بسم الله الرحمن الرحيم
لا ترتديه حاليا سوى كبيرات السن البرقع.. تراث تتهرب منه فتاة اليوم
“البرقع”.. مفردة تراثية قديمة كانت مرتبطة بزينة وملابس المرأة الخليجية وشديدة الالتصاق بزيها الشعبي حيث كان لزاما على الفتاة ان تستر به وجهها عندما يعقد قرانها أو كما يقال في اللهجة الاماراتية المحلية “تملك”. وهذا البرقع كان يميز بين الفتاة والمرأة وبالتالي درجت العادة قديما بألا تخلعه المرأة أبداً حتى عندما “ترقد” للنوم. السبب في ذلك يعود الى سكن الاسرة الممتدة كلها في مكان اقامة واحد بدءا من كبير العائلة حتى صغيرها وكان غير مستحب ان تكشف المرأة عن وجهها حتى على اقاربها فكان البرقع سترا واحتشاما. وبتطور الأوضاع وتبدل الاحوال بدأ شكل البرقع يتغير ويدخل عليه العديد من الأمور الجديدة سواء في نوعية الاقمشة أو في طريقة التصميم أو الاكسسوارات المكملة له، وعلى الرغم من هذه التغييرات، إلا ان موضة ارتداء البراقع قد خفا بريقها كثيرا عما كانت عليه في السابق واصبح ارتداؤها مقتصرا على السيدات الكبيرات بالسن وتدريجيا أخذ لباس البرقع الذي تميزت به المرأة الاماراتية في الماضي في الانحسار جيلا بعد جيل ومما شجع على ذلك تعليم الفتاة الجامعي، بل والدراسات العليا ايضا وخروجها للعمل في مختلف المهن والتخصصات، الأمر الذي أدى الى ان انحصر ارتداء البرقع فقط بين الامهات وكبار السن من النساء. في ايام الشارقة التراثية والتي نظمتها ادارة التراث في دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة ضمن المهرجان التراثي الذي احتضنته منطقة التراث لمدة خمسة ايام خصصت ادارة التراث جزءاً من هذه التظاهرة التراثية الثقافية والاجتماعية لحكاية البرقع “تاريخه، صناعته، انواعه، مكوناته.. الخ” اضافة الى الاستعانة بإحدى السيدات اللواتي ورثن مهنة صناعة البراقع عن والدتها وجدتها. واشتمل المعرض على 20 لوحة تحتوي على شكل معين من البراقع، اضافة الى معلومات عنه وايضا يتعرف الزائر من خلال “مريم” التي تجلس القرفصاء وامامها مجموعة من الاقمشة والإبر والخيوط إلى كيفية خياطة وصناعة البراقع. واستحوذ هذا المعرض على اهتمام شريحة كبيرة من الجمهور الزائر لهذه الفاعلية خاصة الفتيات اللواتي حرصن على اخذ صور تذكارية وهن يرتدين البرقع واحداهن كانت الطالبة اماني الشامسي في المرحلة الثانوية والتي اجابت عندما سألناها عن سبب التقاطها الصور بالبرقع قائلة: ان البرقع هو الماضي والاصالة ومن ليس له ماضٍ لن يكون له مستقبل. لذا رغبت في تجربة ارتدائه لأن بسبب الظروف والتطور لم تعد موضة البراقع هي السائدة بل لم تعد النساء في هذه المرحلة الزمنية يرغبن في ارتداء البرقع. وبالنسبة لي لو كانت هذه العادة منتشرة كما في السابق لكنت اول من تضع البرقع على وجهها فأنا اشعر بأنه يمنح المرأة أو الفتاة التي ترتديه نوعا من التميز، اضافة الى الجمال والرونق كونه يبرز جمال العيون التي هي اجمل ما في المرأة. ولكن للأسف اصبح البرقع اليوم “موضة قديمة” وترتديه القلة القليلة من النساء الكبيرات بالسن. ولا ترى اماني ان من تحافظ الى الآن على ارتداء البرقع انها لا تسير بركب الحياة وتعد متخلفة بل بنظرها هي متميزة ومتمسكة بماضيها وتراثها الذي لا ترضى عنه بديلا. اما والدتها موزة عبدالله التي تسدل الخمار على وجهها فعلقت على سبب جنوح الفتيات اليوم عن ارتداء البرقع بأن جيل اليوم من الفتيات يفضل وضع الماكياج والاصباغ على وجهوههن وتصفيف الشعر وكل هذه الأمور لا تتفق أو تنسجم مع البرقع. وتضيف: على زماننا كانت جميع النساء والفتيات يضعن البرقع في كل المناطق وليس الريفية فقط، بل كان عرفا وتقليدا ولكنه اليوم اصبح في ذاكرة النسيان. مريم من عجمان والتي تعمل في خياطة البراقع منذ فترة تصل الى اكثر من 25 سنة تقول انها تعلمت الحرفة من والدتها وجدتها كما انها تجيد خياطة الكنادير وشغل التلي وغيره. والمرأة الخليجية تميزت بزيها المكون من الكندورة والعباءة والبرقع و”الوقاية” والشيلة وهو زي يتميز بالاحتشام. واضافت مريم: في السابق كانت الفتاة ترتدي البرقع لدى بلوغها سن الثانية عشرة وهذا تقليد كان ساريا على كل المناطق البدوية والحضرية، بل ان المرأة كانت ترتدي البرقع منذ استيقاظها من النوم وحتى موعد نومها ليلا بل ان بعضهن لم يكن يخلعه اثناء النوم. وعن تكلفة البرقع قالت مريم: ان صناعته قديما لم تكن تكلف كثيرا أي بمعدل درهم أو نصف الدرهم، أما اليوم فسعره يتراوح بين عشرة و50 درهما. أما المواد التي يصنع منها البرقع فهي قماش يعرف “بالشيل” ويتميز بألوانه المتعددة الاصفر والاخضر والفضي والاحمر والبنفسجي والاسود وهذه الاقمشة كانت تدهن البشرة بألوان لكونها غير مبطنة خاصة في الزمن الاولي فكانت حمرة القماش تعطي الخدود لونا جميلا لذا كان من العيب ان تخلع المرأة أو الفتاة برقعها حتى لا يبدو وجهها مصبغا بالألوان. ويتكون البرقع من الجبهة وهي الخط المستقيم الذي يقع بداية البرقع من اعلى والذي يقطعه السيف الى قسمين متساويين، وهناك عيون البرقع الخاصة بالعينين، الخرّة وهي الانحناءات النازلة والممتدة من الجبهة وحتى آخر فتحة العين من الجانبين. والسيف عبارة عن عصا مصنوعة من عذق النخيل أو جريدة تهذب جيدا وتدخل من منتصف الجبهة الى آخر البرقع ويكون موقعها في منتصف البرقع، وخد البرقع وهو القطعة التي تغطي الوجه وتكون كبيرة أو صغيرة حسب طلب المرأة، واخيرا الشبوق وهي الخيوط التي تثبت على طرفي البرقع من جهتي اليمين واليسار وغالبا ما تكون من شعر الماعز أو صوف الغنم وقد تكون من خيوط البلاستيك أو من خيوط الرزي الملونة. وتقول مريم: ان الطلب على البراقع قد قل اليوم كثيرا عن السابق على الرغم من ان سعره قد انخفض بسبب عدم اقبال الفتيات على ارتدائه. في حين انه في السابق كانت الفتاة بمجرد ان “تملك” (بعقد قرانها) كان يفرض عليها وضع البرقع وتطلق مريم زفرة وهي تقول: ان جيل اليوم يفضل وضع البودرة والحمرة بينما البرقع من شأنه ان يغطي وجوههن وهو أمر لا يرغبن في حصوله، ولكن الأهم من هذا الأمر هو ان البرقع يجمل المرأة ولا يقبحها ويزيدها انوثة ووقارا اكثر من أدوات الزينة الجديدة خاصة ان البرقع قد مر بمراحل متعددة من حيث الشكل والخامة فسابقا كان يغطي معظم الوجه ويكاد يكون خمارا وذا شكل مربع، ومع الوقت اصبحت اشكال البرقع مرسومة بطريقة جميلة تتماشى مع شكل الوجه وملامحه مثل وسعة العينين أو شكل الخدود أو الانف واصبح يصمم بمقاسات بحسب شكل وجه المرأة لذا تستغرب مريم سبب ابتعاد جيل اليوم من الفتيات عن لبس البرقع خاصة ان الرائج منه اليوم هو الحجم الصغير الذي لا يغطي سوى الفم والخشم فقط. وتعدد لنا مريم مسميات متنوعة للبرقع حيث تم عرض 20 نموذجا في معرض البراقع منها لفة زعبيل، الجسر المقطع، وبرقع عيماني “عجماني” وبرقع العوامر نسبة لقبيلة العوامر، وبرقع شرقاوي، وبرقع دبي وغيره. اما أم سالم والتي كانت جالسة بقرب مريم فكانت تضع برقعا على وجهها وقالت لنا: منذ تزوجت وأنا أضعه على وجهي ولم أخلعه أبدا حتى عندما اخلد الى النوم ولا يزعجني وجوده أبدا بل اشعر اني غريبة اذا خلعته. وقالت أمينة احمد من دائرة التراث: ان فكرة معرض البراقع جاءت بهدف القاء الضوء على قطعة مهمة في الزي الشعبي الاماراتي وجاء المعرض ليقدم مجموعة من البراقع مختلفة الاشكال والاحجام كذلك بينا من خلال المعرض الادوات والمواد التي كانت تستخدمها المرأة في صناعة البرقع يدويا ويعطي صورة حية عن بعض ملامح الحياة قديما وكيف طوعت المرأة الامكانات المتوافرة في البيئة لتوفير بعض احتياجات ملابسها وزينتها والهدف من تنظيم المعرض هو احياء تراث الآباء والاجداد. واضافت: ان الهدف الآخر جاء بسبب اندثار البراقع واختفائها إلا من قلة قليلة مازلن يتمسكن بهذه العادة ومعظمهن من السيدات الكبيرات سنا وكذلك تنتشر هذه العادة في المناطق النائية البعيدة عن زحمة المدن، لذا حاولنا ان نعرف الجيل الجديد بها.
يله جاوبوني ليش يابنات اليوم ماتلبسن براقع